محمد المُفتي: استمتع بالعملية التعليمية كرحلة فكرية جيدة
حوار- أسماء عزت، ونوران نعمان
تعتبر عملية تطوير المناهج الدراسية تشمل مجموعة من التغييرات في أكثر من عناصر المناهج القائمة بهدف تحسينها، والقدرة على مجاراة المستجدات والتغييرات العلميّة والتربويّة الحاصلة، والتغييرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة بطريقة تلبي حاجات المجتمع والأفراد، ويجب مراعاة الإمكانات المتوفرة من الجهد والوقت.
وفيما يلى نعرض لحضراتكم حوار مع الدكتور محمد المُفتى:-
فى البداية، عرفنا بنفسك؟
محمد امين المفتي، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية، جامعة عين شمس، وعميد هذه الكلية الأسبق.
كيف بدأت رحلتك فى تطوير المناهج الدراسية ؟
بدأت الرحلة عندما كان معيدًا، ومدرس مساعد بدأت فى التعاون فى لجان تطوير المناهج فى وزارة التربية والتعليم، ثم وُفدت فى بعثة حكومية إلى جامعة لندن، وتم حصولي على الدكتوراة من هذه الجامعة بعدما حصلت على درجة الماجستير قبل البعثة، فاستعانت وزارة التربية والتعليم بى كعضو أو كرئيس لجنة لتطوير مناهج الرياضيات بالتحديد، وقاموا بتطويرها أكثر من مرة فى عهد أكثر من وزير للتربية والتعليم، وقمنا بتأليف مجموعة من مناهج للرياضيات للحلقة الأولى من التعليم الأساسى، وهيا المرحلة الإبتدائية، ثم قامت الوزارة بإستدعائى فى لجان تطوير المناهج بصفة عامة، وتطوير العملية التعليمية، والإشتراك فى مشروعات لتطوير التعليم.
ما العقبات التى قمت بمواجهتها فى مجال تطوير المناهج الدراسية؟
كان هناك العديد من الصعوبات، ولكن تمكنا من التغلب عليها مثل الفكر التقليدي لبعض المسؤولين عن المناهج فى وزارة التربية والتعليم؛ لأنه كلما نأتى بجديد، توجد الكثير من المقاومة والإعتراض، لكن تم التغلب عليها نتيجة الإقناع، وتوضيح مزايا التطوير، فأنه ليس مقبولاً أن الدنيا والعلوم تتقدم، ونحن ما زِلنا فى ذات المكان، فقمنا بتحرير الفكر التقليدي، والسعي نحو الأفضل.
حدثت تطورات كبيرة فى عملية التعليم فى الفترة الأخيرة، خصوصا الثانوية العامة، فما وجهة نظرك تجاه هذا التطوير هل كان هذا التطوير أفضل أم أسوأ؟
أرى أن الفكرة فى حد ذاتها جيدة، ولكن التطبيق لم يكن على المستوى المطلوب، وبالتالى لم يُكتب لهذه التجربة بالنجاح؛ لأنه لم يتم قبلها إجراء دراسات متعمقة ووافية للإمكانيات المتاحة التى يتم بواسطتها نجاح هذه التجربة، فعلى سبيل المثال، انقطاع التيار الكهربي، حيث كان هناك تحميل زائد من الطلاب لاستخدامهم جهاز التابلت فى وقت واحد، وخاصة فى أوقات الإمتحانات؛ مما كان يؤدى إلى سقوط الشبكة، بالإضافة إلى أن الإعتماد الكلى على الأساليب التكنولوجية غير مقبول، فهى بمثابة يد مساعدة بجانب المعلم وليست بديلة عن المعلم، لذلك لم يُكتب لهذه التجربة بالنجاح الذى يؤمل والمطلوب؛ لأن العملية التعليمية هيا عملية إجتماعية من الدرجة الأولى، أى أنه لكى تنجح لابد من وجود تفاعل مباشر بين المعلم والمتعلمين، ففى حالة وجود التابلت والإعتماد عليه بدرجة كبيرة، فإن هذا التفاعل لا يكون موجودًا على الإطلاق.
هل تطوير المناهج كان يشمل المادة العملية أم أساليب الشرح أم طريقة تقييم الطلبة؟
فى الآونة الأخيرة، كان التركيز على المادة العلمية، وهو عنصر واحد من عناصر التعليم، وكان التطوير يتم بشكل تقليدي، كأن يحذف موضوعًا، ويُضيف موضوعًا آخر، أو يتم إزاحة لموضوع من صف دراسي أعلى إلى صف دراسي أقل، أو حذف أبواب، وإضافة أبواب أخرى فى الكتاب، وأرى أن هذا لا يعد تطوير؛ لأن التطوير عملية شاملة تشمل جميع عناصر المنهج وهى، الأهداف، المحتوى، إستراتيجيات التدريس، الأساليب التكنولوجية، والتقويم، فالتركيز كان على الأهداف، والمحتوى، دون الإهتمام بطرق التدريس وإستراتيجيات التعليم ظل كما هو مرسل ومستقبل دون فهم، ومعظم أسئلة الإمتحانات أسئلة تقليدية تقيس عملية الإسترجاع والتذكر مهما قال المسؤولون أنها تمس العمليات العقلية الأخرى؛ وذلك لأن الإمتحان يأتى من النماذج الخاصة بالأسئلة.
ما أهم الأساسيات والعوامل التى تساعد فى عملية تطوير المناهج؟
الأساس الإجتماعى، وهو أن محتوى المنهج يساعد المُتعلم على التفاعل مع مواقف ومشكلات المجتمع التى يواجهها.
الأساس الأكاديمي، أى المادة العملية نفسها وهذه المعارف والمعلومات تتطور وتتغير بطريقة سريعة جدًا فى عالم المعرفة، وبالتالى لابد أن يواكب محتوى المنهج هذه التطورات العلمية.
الأساس النفسى، وهو أن المنهج بمفهومه الواسع يشبع حاجات المُتعلم، ويُلبى طلباته، العمل على تنمية تفكيره، ويساعده على حل مشكلاته.
ما هيا دواعي وأسباب تطوير المناهج الدراسية ؟
التغير الحادث فى المجتمع، فالمجتمع فى حالة دينامية، وبالتالى فإن الهدف الأسمى من المنهج هو إعداد المُتعلم لكى يعيش ويتفاعل فى هذا المجتمع بنجاح فطالما المجتمع يتغير لابد من تطوير المناهج، أيضًا المُتعلم نفسه يتغير من الحاجات، والمطالب، والمشكلات، وغيره، وكذلك التطور الحادث فى المعارف فإنها تتطور بسرعة رهيبة جدًا وتتراكم، وما يمكن أن يكون اليوم صحيح فإنه فى الغد يمكن أن يظهر أحدث وأجدد وأنفع منه للمُتعلم؛ لذلك يجب أن يتم تطوير المناهج مع تطور المجتمع، فإنه يتم النظر للدول المتقدمة ومحاول التشابه القريب فى هذه المناهج، وليس أخذها بس نأخد التوجهات العامة الخاصة بها وتجاربهم، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك مادة علمية يكثر فيها النشاط العملي للطلاب، يتم تطبيقها أيضًا لدينا؛ ويتم تطبيق المعلومة للمتعلم بالفهم، وليس الحفظ.
هل هناك معدل زمنى لتطوير المناهج الدراسية؟
هناك معدل تقريبي، كل خمس سنوات، وذلك نتيجة أبحاث تم إجراءها على بعض التخصصات العلمية، فإنه أصبح للمادة تاريخ صلاحية بعد هذا التاريخ أصبح لا فائدة لها؛ لأنه يطرأ عليها معلومات أكثر يمكن أن تُساهم فى حل مشكلة لا تقوم بحلها المعلومات القديمة، كلما زاد معدل التطوير، كلما قلت هذه المساحة الزمنية.
ما النصيحة التى تريد توجيهها للمسؤولين فى الوزارات والطلاب تجاه تطوير المناهج الدراسية؟
اتوجه بتوجيه نصيحة للمسؤولين عن بناء المناهج الدراسية أن يتركوا التنظيم المنهجي القائم على المعرفة، فمحتوى المنهج كبير جدًا، ومُكدس بالمعارف والمعلومات، والفترة الزمنية التى يتم فيها تدريس هذا المنهج محدودة جدًا ، فالمُدرس لا يجد إلا أن يُلقى، والمُتعلم يستقبل، فلا يوجد وقت للمعلم للشرح واستخدام إستراتيجيات التعلم كالإستكشاف، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي، وغيره.
هل هناك تنظيم منهجي آخر يمكن أن يحل محل التنظيم المنهجي القائم على المعرفة؟
نعم، هناك عدة تنظيمات منهجية مثل التنظيم المنهجي القائم على حل المشكلات، فالمنهج يوجد به العديد من المشكلات، ويجب على الطالب إيجاد حلول لهذه المشكلات بمساعدة المُعلم وإرشاده للمسار الصحيح، وليس المُعلم الذى يقوم بحل المشكلة من خلال إجماع الطلاب فى حلقة دائرية والإستعانة بالكتب الموجودة فى المكتبة، وبالتالى يكون المُتعلم نشط، وعملية التعلم نشطة ويحاول البحث عن حل للمشكلة، وذلك يكسب الطالب مهارات يمكن استخدامها فى حياته لحل مشكلاته.
التنظيم المنهجي القائم على المفاهيم الكبرى، مثل الطاقة هذا المفهوم عابر، ويتم ذكره فى مواضع كثيرة مثل علم الرياضيات، وعلم الفيزياء، وعلم الكيماء، وعلوم الغذاء، ويتم تناول هذا المفهوم من جوانب التخصصات المختلفة.
التنظيم المنهجي القائم على نتائج أبحاث المخ، درس أطباء المخ والأعصاب كيفية عمل المخ؟ ووظيفته؟ وكيفية تعلمه؟ واستطاعوا تحديد وظائف هذا المخ، وماذا يقبل؟ وماذا يرفض؟ فقام المتخصصون فى المناهج فى الدول المتقدمة هذه النتائج، ونسجوا عليه محتوى المنهج، حيث يتقبل المُتعلم هذه المعلومات الدراسية، أما نحن فلا نطبق ذلك، وهذا هو السبب فى أننا برغم هذا التطوير؛ فإن نتائج هذا التطوير لا تكون غير ما نريد ونقبل.
بالنسبة للطلاب، محاولة الفهم وليس الحفظ، وذلك لأنه لا يمكن تطبيق شىء فى حياتك دون فهمه، ومحاولة التفكير فى المعلومة، فلا تأخذها فى شكلها النهائي وتصمت ومعرفة أساسها، وأيضًا أخذ العملية التعليمية كرحلة فكرية ممتعة، فاستمتع بما تقرأ وتتعلم.