على الرحب والسعة.. مصر تستقبل الأشقاء السودانيين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية
كتبت : هبة المنزلاوي، جون تور، سمية أسامة
شهدت العلاقات المصرية السودانية في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا على كافة المستويات، خاصة على المستوى السياسي والدبلوماسي، فلقد ساهمت مصر في حل الأزمة السودانية من خلال عدة مفاوضات بين الأطراف المتنازعة في السودان، وقدمت المساعدات الإنسانية العاجلة للنازحين واللاجئين السودانيين وحمايتهم من ويلات الحروب، ولذلك أجرينا تحقيقا صحفيًا للتعرف على دور مصر الرائد في السودان، وجهودها في إقرار الأمن والسلام على الأراضي السودانية.
قال الدكتور السيد خضر، الخبير الاقتصادي، إن مصر تلعب دورًا رائدًا في محاولة حل الأزمة السودانية وتعزيز الاستقرار في السودان ومن بين الأدوار التي تلعبها مصر من خلال التوسط والوساطة حيث تعمل مصر على تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة في السودان، حيث تستضيف مصر جولات التفاوض والمحادثات بين الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى حل سلمي للنزاعات وتعزيز الاستقرار في السودان، الدعم السياسي حيث تعبر مصر عن دعمها لوحدة السودان السياسية واستقراره، حيث تعمل على تعزيز التفاهم والتعاون بين الأطراف المختلفة في السودان وتشجع على المصالحة والمصالحة الوطنية، المساعدة الإنسانية حيث توفر مصر مساعدات إنسانية للسودان في العديد من المناسبات، خاصة في حالات الأزمات الإنسانية مثل الجفاف والنزاعات المسلحة، تتضمن هذه المساعدات توفير المساعدة الغذائية والمياه والإيواء والرعاية الصحية للمتضررين في السودان التعاون الاقتصادي حيث تسعى مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي مع السودان.
وبينً "خضر" أنه يأتي ذلك من خلال تعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين ، حيث يهدف ذلك إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في السودان وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، أيضًا مصر تحافظ على موقفٍ متوازن ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بما في ذلك الصراع في السودان حيث تسعى مصر إلى دعم استقرار السودان ووحدته السياسية والاقتصادية، وقد عبرت مصر عن دعمها لحلول سلمية للنزاعات السودانية، وذلك من خلال التشجيع على الحوار والمصالحة بين الأطراف المتنازعة، ومن الناحية الإنسانية، قدمت مصر مساعدات إنسانية للسودان في العديد من المناسبات، وذلك لمساعدة السكان المتضررين من النزاعات والكوارث الطبيعية، حيث تشمل هذه المساعدات الغذاء والماء والإيواء والرعاية الصحية، أما بالنسبة لتغيير موقف مصر تجاه الأزمة السودانية، فإن ذلك ممكن بناءً على التطورات والمستجدات في الأوضاع السياسية والأمنية في السودان، إذا تغيرت الظروف وتطلبت الأوضاع تدخلاً دبلوماسيا أو إنسانيا من مصر، فقد يتم تعديل موقفها وتقديم دعم إضافي للسودان.
وتابع أن مصر استضافت العديد من الجولات التفاوضية بين الأطراف المتنازعة في السودان، بما في ذلك اللقاءات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة السودانية، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل، وقد عملت مصر أيضا على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع السودان وتشجيع الاستثمارات المصرية في السودان، بهدف دعم التنمية الاقتصادية والاستقرار في السودان، فقد شهدت العلاقتين تعزيزًا وتطويرًا في الفترة الأخيرة ، حيث تم توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة بين البلدين، بما في ذلك التعاون الأمني والعسكري، والتعاون الاقتصادي والتجاري، وتبادل المعلومات والخبرات في مجالات مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة، مؤكدا على أن مصر قدمت المساعدة العاجلة للنازحين واللاجئين السودانيين، بما في ذلك المأكل والمشرب والرعاية الصحية والإيواء، كما قدمت مصر الدعم اللوجستي والإنساني للجهود الدولية في توفير المساعدة للسودانيين الفارين من النزاعات والأزمات في بلدهم ، من حيث التجارة، فإن العلاقات التجارية بين مصر والسودان تشهد تبادلًا مستمراً للسلع والخدمات، حيث تعتبر مصر شريكًا تجاريًا رئيسيًا للسودان، حيث تستورد السودان سلعًا مثل الأدوية والمواد الغذائية من مصر، بينما تصدر مصر العديد من المنتجات إلى السودان بما في ذلك الأجهزة الكهربائية والسيارات والملابس.
وقال الدكتور أبو بكر الدسوقي، مستشار التحرير لدى مجلة السياسة الدولية بالأهرام، إن مصر يربطها بالسودان العديد من الروابط التاريخية والقومية والثقافية، كما أن نهر النيل رابط طبيعي وحد ما بين الشعبين من أواصر التعاون، وكانت السودان حتى قيام ثورة يوليو 1952 جزءًا من المملكة المصرية، لكن الرئيس جمال عبد الناصر منح الأخوة السودانيين حق تقرير المصير، فكانت نتيجة التصويت الذي تم في مجلس الشعب السوداني لصالح الاستقلال عن مصر، ومع ذلك ظلت العلاقة راسخة وقوية بين الدولتين، وربما تأثرت العلاقة في بعض الأحيان بسبب تقلبات السياسة والحكم، وأنه في قضية سد النهضة تعد مصر السودان حليفًا لا يمكن الاستغناء عنه في نزاعها الممتد مع إثيوبيا حول السد المثير للجدل، نظرا لما ينطوي عليه من مخاطر التحكم في تدفق مياه النيل إلى مصر، وفي أزمة الصراع المندلع في السودان بين قيادة الجيش برئاسة الفريق أول "عبدالفتاح البرهان" وقوات الدفاع السريع التي يقودها "محمد حمدان دقلو" المعروف باسم "حميدتي"، أكدت مصر في أكثر من مناسبة وقوفها على مسافة واحدة من كافة الأطراف السودانية، واحترامها لإرادة الشعب السوداني، كما تتطلع مصر إلى إقامة حوار بناء بين مختلف المكونات السودانية، والوصول إلى اتفاق شامل وجامع للإخوة السودانيين، من أجل إعادة الاستقرار إلى السودان، كما أن موقف مصر ظل دائماً يدافع عن وحدة وسلامة السودان.
وأضاف أن السودان حظي بأولوية متقدمة على أجندة السياسية الخارجية، وقد بدا ذلك واضحًا في الزيارات المتبادلة بين الجانبين على المستويات الرسمية والحكومية والشعبية، والتنسيق في كل المجالات، وشهدت العلاقات بين مصر والسودان نقلة نوعية، منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وتم تصعيد قمة اللجنة العليا المشتركة، إلى المستوى الرئاسي، وقد عقدت أولى دوراتها في 5 أكتوبر 2016 بالقاهرة، وشهدت العلاقات التجارية المصرية – السودانية، نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، من خلال إنشاء مشروعات حيوية اقتصادية مشتركة في كافة المجالات بما يحقق المصالح المتبادلة للدولتين، وبما سيُسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية للدولتين مستقبلًا.
أما فيما يخص دعم مصر للاجئين السودانيين فقد قدّرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إجمالي عدد السودانيين المقيمين في مصر بشكل ثابت بنحو 4 ملايين سوداني، يتمركز نحو 56% منهم في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية، وهناك اتفاقية تسمح بحرية الحركة بين البلدين، والتي تسمح للمواطنين من الجانبين بالتنقل بينهما في الاتجاهين للإقامة والعمل.
وأوضح أنه بسبب ظروف الصراع المندلع في السودان فقد تضاعف خلال العام الماضي عدد اللاجئين السودانيين في مصر المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى خمسة أضعاف ليصل إلى 300 ألف شخص، وهو ما يمثل أكثر من 52٪ من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد، وينتظر 250 ألف سوداني آخرين التسجيل لدى المفوضية في مصر.
وتعمل الحكومة المصرية على ضمان حصول الأخوة السودانيين الذين فروا من ويلات القتال على خدمات الرعاية الصحية الأساسية والتعليم على قدم المساواة مع المواطنين المصريين، ومن المهم جدًا على المجتمع الدولي لمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعم مصر كحكومة مضيفة من أجل تمكين اللاجئين، نساءً أو رجالًا أو أطفالًا، من العيش بكرامة، ودعم دعم سبل كسب الرزق، وبخاصة في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه مصر.
قال الدكتور وجدي الحلفاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم، إن مساندة مصر للسودان في هذه الفترة مهمة جدا بما تحمله من رسائل داعمة للتضامن الإقليمي والمساعدة الإنسانية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، ويمكن لمصر تقديم الدعم من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والطبية، وتعزيز التعاون الأمني في مكافحة التهديدات الحدودية، ودعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، مشيرا إلي إمكانية اتخاذ خطوات مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق الجهود العسكرية في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وتقديم الدعم اللوجستي والتدريب، مضيفا أنه يمكن لمصر تقديم المساعدات الإنسانية المتنوعة مثل الغذاء والدواء والمأوى، ودعم الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار الإنساني في المناطق المتضررة، ومن المتوقع أن تلعب مصر دورًا رئيسيًا في تسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة، وتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للجهود الدولية لتحقيق السلام والاستقرار في السودان.
قال الأستاذ خالد الأعسر، المحلل السياسي السوداني، إن تعتمد علاقات مصر والسودان على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك القضايا الحدودية، والمياه، والسياسات الإقليمية، والتحولات السياسية في كلا البلدين، وتشمل التحديات التي نواجهها تقلبات في السياسات الداخلية لكل بلد، وضغوط الأطراف الخارجية، وتفاقم القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مضيفا أنه يمكن تعزيز التعاون بين البلدين من خلال تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل، وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، والعمل المشترك في مجالات الأمن والتنمية، ويمكن للشباب أن يلعبوا دورًا مهمًا في تعزيز الفهم والتواصل بين الشعوب، ودعم الجهود المشتركة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين، مؤكدا على أنه يجب أن تستند التوجهات المستقبلية للعلاقات بين مصر والسودان على الحوار المفتوح والبناء، والتعاون الوثيق في مختلف المجالات، والتركيز على مصلحة الشعبين في النهاية.
قال الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية، إن الحرب في السودان اندلعت في أبريل الماضي بسبب خلافات حول صلاحيات الجيش وقوات الدعم السريع في إطار خطة مدعومة دوليا لانتقال سياسي نحو حكم مدني وإجراء انتخابات، وتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السلطة مع المدنيين بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية عام 2019، قبل مشاركتهما في انقلاب بعد ذلك بعامين، ودمر القتال أجزاء من السودان بما فيها العاصمة الخرطوم وأودى بحياة أكثر من 13 ألف شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وأثار تحذيرات من حدوث مجاعة وتسببت بأزمة نزوح، مؤكدا على تضامن مصر ودعمها الكامل لشعب السودان، وجهودها الدؤوبة لإنهاء الأزمة الراهنة من خلال تنفيذ "خطة عمل آلية دول جوار السودان لإنهاء الأزمة في السودان"، والتي تهدف إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، بهدف إقامة حوار شامل بين الأطراف السودانية للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة الحالية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المجتمعات المتضررة.
وأضاف أن الحكومة المصرية تبذل جهوداً عظيمة منذ اندلاع الأزمة الراهنة لتسهيل عبور ما يقدر بنحو 380 ألف مواطن سوداني إلى مصر وتقديم كافة الخدمات الإنسانية والصحية والمعيشية لهم، وتضمينهم في النظم الوطنية، وبخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، على قدم المساواة مع المواطنين المصريين، هذا بالإضافة إلى ما تستضيفه مصر من ما يزيد على ٩ ملايين مهاجر، ٥ ملايين منهم من السودان يعيشون في مصر منذ عقود، موضحا أن الأزمة الراهنة في السودان سلطت الضوء على عدد من أوجه القصور في الاستجابة الدولية للأزمات الإنسانية والحاجة إلى دور استباقي للفاعلين التنمويين.